أصبح فقدان الوظيفة أمرا معتادا في الاقتصاد حاليا، وذلك يتراوح بين الأفراد الذين يفقدون شركاتهم بالكامل بسبب الإفلاس إلى من يفقدون وظائفهم بسبب تسريح العمال والتغيرات التقنية السريعة وعمليات الدمج وأنواع أخرى من عمليات إعادة التنظيم. تعلن مئات الآلاف من المنظمات التي يتراوح حجمها من الشركات الصغيرة إلى الضخمة إفلاسها سنوياً. ووفقاً لمسح أجراه مكتب إحصائيات العمل عام 2018 فإنه قد تم استبعاد ثلاثة ملايين موظف من العمل ما بين عامي 2015 و2017 من وظائف شغلوها لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات.  يحتاج الأفراد إلى تعلم كيف يستعيدوا توازنهم بعد هذه الخسائر الفادحة.

تشير أبحاثنا حول المسارات الوظيفية وأنماط الحداد لموظفي شركة ليمان برذرز السابقين إلى أن الذين يستجيبون لفقدان الوظيفة يميلون إلى إتباع أحد المسارين حين عودتهم إلى سوق العمل. كما يتوقف الاتجاه الذي يتخذونه في المقام الأول على ما يريدون إنقاذه من خبراتهم السابقة بالإضافة إلى ما له تداعيات مهمة على  طيف الفرص التي تتوفر لهم مستقبلا.

الخلاقون والمطوعون لأغراض جديدة

 نطلق على هاتين المجموعتين اسم “الخلاقين والمطوعين لأغراض جديد”. يميل الخلاقون إلى إيجاد وظائف مماثلة في أنواع قابلة للمقارنة بين المنظمات والصناعات. عادةً كمصرفيين، مثل بنك ليمان فإن هذا يعني تأمين الوظائف في المؤسسات المالية الأخرى. بينما المطوعون لأغراض جديدة يتركون الوظائف التنظيمية لمتابعة فرص تنظيم المشاريع سواءً في مجال التمويل أو المجالات الأخرى، وذلك يتضمن إطلاق أنواع مختلفة من الشركات الجديدة. بالنسبة للمصرفيين ليمان على سبيل المثال انخرطوا مشاريع السفر والتعليم والتجارة الإلكترونية.

ما الذي يفسر هذه الخيارات الوظيفية المختلفة بشكل لافت للنظر؟ لم يكن الوصول غير المسبوق إلى موارد كالمعرفة والشبكات ورأس المال على عكس الكثير من الأبحاث الحالية. إنما كان الفارق في المهم هو ما اختار المصرفيون التمسك به من منظمتهم بعد إفلاسها هو الذي أحدث الفارق. فبدلاً من التركيز على ما فقدوه يركز كل من الخلاقين والمطوعين لأغراض جديدة على ما يمكنهم إنقاذه من خبراتهم في شركتهم السابقة.

أوجد الخلاقون روابط وثيقة شبه عائلية مع زملائهم في العمل وبالتالي سعوا إلى إعادة خلق هذا “السحر” بفعل أشياء مماثلة مع أشخاص مماثلين وأحياناً مشابهين لأولئك الذين عملوا معهم في بنك ليمان. ويقول أحد المشاركين في دراستنا “بكل صراحة إن القدرة على مواصلة العمل مع زملائي كان السبب الأكثر إقناعاً (للبقاء في العمل) لعمل نفس الشيء مع نفس الأشخاص”.

بينما تمسك المطوعون لأغراض جديدة بثقافة ريادة الأعمال والمهارات التي تعلموها في منظماتهم. كانت علاقاتهم العملية مهنية وودية لكن لم يُعطوا أولوية للحفاظ عليها بعد إفلاس منظماتهم. يبحث هؤلاء الأفراد عن فرص لاستخدام هذه المهارات بطرق جديدة ومختلفة. وعلق مصرفي سابق آخر من بنك ليمان مبرراً قراره بأن يصبح رائد أعمال بقوله “قد تكون مهاراتي عالية عندما أعمل في مصرف ولكني أستطيع استخدامها بشكل مربح عندما أعمل لدى شركة ناشئة. لذلك عندما أطبق نفس مجموعة المهارات على شركة ناشئة فإنه يمكنني تسريع نموها بشكل أكبر ” .

لا تعد هذه المسارات حكرا لموظفي ليمان برذرز. فعلى سبيل المثال، يشير البحث الذي لم ينشر للباحثين من جامعة ييل Winnie Jiang و Amy Wrzesniewski إلى أن هناك مهن تصبح الوظائف فيها شحيحة على نحو متزايد، يتبع الصحفيون إما مسار المحافظة (يميل إلى الخلاقين) أو إعادة الإختراع  (يميل إلى المطوعين لأغراض جديدة) بينما يشقون طريقهم في مسارهم المهني.

كما أجرينا مقابلات مع المسؤولين التنفيذيين في الصناعات الأخرى الذين سُرّحوا مؤخراً وعادوا بنجاح. ظهرت أنماط مماثلة من هذه المحادثات، فعلى سبيل المثال اتبع “جو” الذي يشغل الآن منصب رئيس علاقات المستثمرين في شركة للتكنولوجيا الحيوية مسار الخلاقين ووصف الأشخاص الذين عمل معهم بأنهم العامل الأكثر أهمية في اختياراته المهنية حيث أراد إعادة تكوين البيئة العائلية التي عاشها في شركته السابقة. بينما يعتبر ستان من المطوعين لأغراض جديدة حيث كان يشغل منصب مدقق مالي أول والآن يدير نشاطاته الاستشارية الخاصة. ولذلك أشار ضمنياً إلى أهمية المهارات التي تعلمها كمدقق مالي وكيف يمكنه الاعتماد عليها لتوفير فرص جديدة لنفسه.

 بناء آفاق أوسع

إذاً ما الذي يعتبر المسار الأفضل الخلاقون أم المطوعون لأغراض جديدة؟  أحد الاعتبارات المحددة بالطبع في عدد الوظائف المتاحة التي قد تتطابق مع الوظيفة السابقة، على وجه التحديد في ضوء عمليات التسريح والإفلاس قد يكون هناك فائض من الأفراد ذوي المهارات المماثلة يتنافسون على كمية محدودة من المناصب ، وبالتالي قد يحصل المطوعون لأغراض جديدة على فرص أكثر عند الانتقال من وظيفة إلى أخرى. ومع ذلك تشير أبحاثنا إلى أن كِلا المسارين في النهاية قد يكون ناجحاً. السر يكمن في أخذ الوقت الكافي لمعرفة ما يمكن إنقاذه من وظيفتك السابقة وكيفية استخدامه للحصول على الوظيفة التالية.

يردد المسؤولين التنفيذين الذين قابلناهم صدى مواضيع بحثنا ويقدمون نصائح مماثلة بشكل لافت للنظر حول كيفية العودة بنجاح بعد فقدان الوظيفة وهي:  تزود، تمسك، واترك.

  • قيم بما تشعر به وما يهمك وما اكتسبته من خبره من عملك السابق. وفقاً لجو وستان على التوالي “يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لمعالجة فقدان الوظيفة حيث لا يمكنك فهم الكثير من الأشياء في تلك اللحظة” “أعط نفسك وقتاً لاكتشاف الأمور التي تهمك ضع مساحة للحزن لكن لا تدع هذا يعيقك. عليك أن تدرك أن هناك الكثير من الأشياء التي لم تخسرها حينما لم تعد لديك وظيفة.”
  • تمسك بما يهمك واترك كل الأجزاء الأخرى من تجربتك. ولهذا السبب ذكر جو “يمكنك أن تجد بعض مما كان لديك سابقاً في مكان آخر. بالرغم من أنها لن تكون نفسها بالضبط إلا أنها في النهاية ستصبح شيء جديد تعتاد عليه. لا يزال بإمكانك التمسك ببعض الأشياء التي تهمك ولكن عليك أيضا أن تدرك أنك لم تعد هناك وأن هذه المنظمة تمضي قدماً بدونك.” تماماً كما أوضح ستان “لا تغرق في أحزانك، فكر فالمستقبل هناك دائماً فرص جديدة بانتظارك”.

باختصار، قد يكون فقدان العمل عاملاً إيجابياً عند مواجهة الحزن بشكل مناسب. وكما يشير بحثنا فإن مدى استعادة النشاط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكيفية معالجة الخسارة. ويحدث هذا في عملية معالجة الخسارة ذاتها بداية من التركيز على ما فقد إلى ما تم اكتسابه وما يمكن إعادة استخدامه في وظيفة أخرى.

ترجمة: أفراح المحيذيف.
مراجعة: محمد المحفوظ.

المصدر: https://hbr.org/2019/04/how-people-redirect-their-careers-after-getting-laid-off