ما هو التطوير التنظيمي؟

التطوير التنظيمي هو العملية المخططة والممنهجة لتغيير استراتيجيات المنظمة، وإجراءاتها، وثقافتها بهدف تطوير أدائها، وفعاليتها، ونموها.

التطوير التنظيمي هو جهد داخلي تبذله المنظمة لتحسين قدراتها وفعاليتها الكلية.  وهو ليس عملية سهلة أو مهمة إصلاح سريعة، بل هو تدخل هيكلي منظم، وعادة ما يستغرق وقتا طويلا لإحداث تغيير تحولي في جميع أجزاء المنظمة أو في أجزاء محددة منها، كقيمها، وهيكلها، وعملياتها، والأشخاص العاملين فيها، وذلك بهدف بناء ثقافة تنظيمية مرنة ومستدامة، قادرة على التكيف مع التغيير، وتحقيق أهدافها المنشودة في النجاح والنمو وتحقيق الأرباح

تستخدم البيانات والأدلة بكثافة في التطوير التنظيمي، فالتطوير التنظيمي عملية موجهه بالبحث العلمي، تركز على تعديل السلوك الإنساني لصالح الموظفين والمنظمة بوجه عام. فعلى خلاف إدارة الموارد الإنسانية، والتي تتضمن عمليات التوظيف والاحتفاظ بالموظفين وإدارة الأداء، إلى جانب المساعدة في وضع السياسات والإجراءات، يعمل التطوير التنظيمي على تقييم ماذا يحدث داخل المنظمة بهدف التدخل لإحداث تغيير إيجابي، وموائمة سلوك الموظفين مع استراتيجية المنظمة وعملياتها التجارية وأهدافها.

في بيئة الأعمال سريعة التغيير، يعد التطوير التنظيمي أمرا بالغ الأهمية للمحافظة على تنافسية الشركات واستدامتها. فهو يساعدها على تحسين فعاليتها، والتكيف مع التغيرات الجديدة، ودعم ثقافة عمل إيجابية وتشاركية. 

تاريخ التطوير التنظيمي

تمتد جذور التطوير التنظيمي في مجالات متنوعة، بما فيها علم النفس، وعلم الاجتماع، ونظريات الإدارة حيث يمكن تتبع تاريخ التطوير التنظيمي منذ بداية القرن العشرين عندما برز مجال علم النفس التنظيمي والصناعي في محاولة لفهم السلوك الإنساني في مكان العمل.

في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، استكشفت دراسات هاوثرون Hawthrone المنفذة في شركة ويسترن الكتريك Westren Elctric بجانب مدينة شيكاغو علم السلوك الإنساني، وأبرزت الدور المهم الذي تقوم به العلاقات الاجتماعية في التأثير على الإنتاجية. وفي الأربعينيات، قدم عالم النفس كورت ليون Kurt Lewin مفاهيم البحث التطبيقي، والبحث العلمي، والتواصل الجماعي في قيادة التغيير التنظيمي. وفي المملكة المتحدة، عمل معهد تافيستوك Tavistock للعلاقات الإنسانية على دراسة إدارة الأعمال، والتركيبات الديموغرافية في مكان العمل، وتبني تقنيات جديدة.  

اكتسب مصطلح التطوير التنظيمي الانتشار من خلال العديد من العلماء وممارسي العلوم الاجتماعية في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، فقد ازدادت مبادئه وعملياته شهرة بعد أن نظمت مختبرات التدريب الوطنية في الولايات المتحدة ورش عمل تدريبية حول التعلم التجريبي وفهم حساسية التغيير. وفي الثمانينات والتسعينيات، ازداد تطور التطوير التنظيمي استجابة للتطورات التكنولوجية وظاهرة العولمة، مما حمل تركيزا أكثر على إدارة التغيير، وتطوير القيادات، والتعاون عبر الثقافات. لقد أظهر العصر الرقمي الذي ازدهر منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحاضر الحاجة لمواكبة التغييرات السريعة والتسارع في بيئة الأعمال حول العالم. وفي الوقت الحالي، أصبحت التقنية، وتحليل البيانات، والمنهجيات الرشيقة أساسية لقيادة التغيير التنظيمي، كما يواصل ممارسو التطوير التنظيمي مساعدة المنظمات على التكيف مع المتغيرات وصنع ثقافة من التعلم والتحسين المستمرين.

أهداف التطوير التنظيمي

تتمركز عملية التطوير التنظيمي في تحسين الفعالية الكلية للمنظمة، ومرونتها، ونجاحها. وقد تلجأ منظمات الأعمال للتطوير التنظيمي لأسباب متنوعة. فقد يساعدهم، على سبيل المثال، في مواجهة التحديات الداخلية، وتحسين الأداء وحل المشكلات، والتكيف مع التغييرات في الاقتصاد أو الصناعات التي يعملون فيها. لذلك عادة ما تشمل أهداف تدخلات التطوير التنظيمي في المنظمات ما يلي:

التكيف مع التغيير: تشجيع ثقافة من التكيف والمرونة للتعامل بشكل فعال مع التغيرات في بيئة الأعمال، مثل التطورات التقنية وتزايد المنافسة وتقلبات الأسواق.

تحسين التواصل: تحسين النطاق الواسع من التواصل داخل المنظمة، والتعاون، والتغذية الراجعة لصنع بيئة عمل أكثر شفافية، يشعر الموظفون فيها بالتقدير.

تحسين الأداء والكفاءة: تطبيق تدخلات لتحديد أوجه القصور التشغيلية ومعالجتها، وتبسيط العمليات، وتعزيز الأداء العام. فمن خلال تحسين إجراءات العمل وتقليل الهدر، يمكن للمنظمات تحقيق أهدافها، وتحقيق مستوى أعلى من الإنتاجية والربحية.

حل الصراعات: معالجة التحديات المرتبطة بالتواصل والتعاون لدعم العمل الجماعي، والعلاقات الأكثر موثوقية، وبيئة العمل الإيجابية والمنتجة.

إدارة المواهب بفعالية: تطبيق استراتيجيات للتوظيف، وتطوير الموظفين، والاحتفاظ بالمواهب المتميزة مما يعزز من امتلاك المنظمة للمهارات والخبرات اللازمة للتحديات الحالية والمستقبلية.

تطوير الموظفين: تقديم التدريب، والتعلم، والتحسينات في العمليات مما يدعم زيادة الإنتاجية، ويساعد أعضاء فرق العمل على مواكبة المتطلبات الجديدة والمتغيرة.

إشراك الموظفين: صنع ثقافة عمل إيجابية، تقدر التواصل، والتعاون، ورضا الموظفين، والنمو المهني.

تحسين الثقافة: دعم الروح المعنوية والرضا داخل المنظمة من خلال صنع ثقافة إيجابية، وتشاركية، وشاملة، تتلاءم مع قيم المنظمة وأهدافها.

زيادة رضا العميل: تحسين العمليات والمنتجات والخدمات بهدف تلبية توقعات العميل أو تجاوزها، مما يدعم علاقات الولاء طويلة الأمد مع العملاء.

تعزيز الابتكار: تكوين ثقافة من التحسين المستمر عن طريق تعزيز بيئة إبداعية وتجريبية، مما يمكن الموظفين من المشاركة بالأفكار، وتجريب أساليب جديدة من أجل تحسين العمليات والمنتجات والخدمات.

زيادة الأرباح: تعزيز النتائج النهائية من خلال تعزيز التواصل، وعمليات الموظفين، وتحسين المنتجات، والخدمات.

تطوير القيادات: الاستثمار في الكوتشينج وتطوير الموظفين لصنع قيادات فعالة قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، وقيادة فرق العمل وإلهامها، وتوجيه المنظمة نحو أهدافها المنشودة.

إعادة الهيكلة: تيسير عملية إعادة هيكلة سلسة متى ما كان ذلك لازما نتيجة للاندماجات والاستحواذات، أو إعادة التنظيم الداخلية للأعمال.

النمو المستدام: إنشاء منظمة حيوية ومرنة، قادرة على اغتنام الفرص، والتكيف مع التغيير، والازدهار في وجه التحديات الجديدة.

أصحاب المصلحة في التطوير التنظيمي

يتضمن التطوير التنظيمي مدى متنوع من أصحاب المصلحة، ولكل منهم وجهات نظر واهتمامات فريدة في صياغة نجاح المبادرات. من بين أصحاب المصلحة الرئيسيون في هذه العملية:

المجتمع: ترغب المجتمعات بمنظمات ناجحة، تمارس المسئولية الاجتماعية، وتنفذ مبادرات لا تؤثر سلبا على المنطقة.

العملاء: يعتمد رضا العملاء على قدرة المنظمة على تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة.

الموظفون: يمتك جميع أعضاء فرق العمل مصلحة في التطوير التنظيمي، ونجاحه يعتمد على مشاركتهم، والتغذية الراجعة التي يقدمونها، وانفتاحهم للتغيير.

الوكالات الحكومية: تحتاج المنظمات التي تعمل في محيط صناعة منظمة قانونيا إلى مبادرات التطوير التنظيمي لتعكس تطبيق القوانين واللوائح في أعمالها.

الموارد البشرية: غالبا ما تشارك إدارة الموارد البشرية بشكل مباشر في التخطيط لمبادرات التطوير التنظيمي وتنفيذها، إلى جانب عملها في التوظيف والتدريب وتطوير الموظفين.

المستثمرون والمساهمون: تعطي المصالح المالية للمستثمرين والمساهمين في المنظمة صلاحية في المبادرات التي تؤثر على نموها ونجاحها.

القيادة: يعتبر التنفيذيون وكبار المديرون أساسيون في التخطيط لمبادرات التطوير التنظيمي، وتنفيذها، وتأسيسها. كما أن التزامهم بالعملية ودعمهم لها يعتبر أمر بالغ الأهمية.

الموردون وشركاء الاعمال: تعطي العلاقة المباشرة مع المنظمة الموردون وشركاء الأعمال مصلحة أساسية في نجاحها.

عملية التطوير التنظيمي

نشأ التطوير التنظيمي كعملية مرتبطة بنموذج البحث العلمي، وذلك بفعل منهجيته واستناده على الأدلة. وقد ظهر ذلك في ثلاثينات القرن العشرين لمساعدة المنظمات على إحداث تغيير إيجابي ومستدام.

يتّبع التطوير التنظيمي نفس خطوات البحث العلمي بدءا بتحديد المشكلة، ثم جمع البيانات ذات العلاقة وتفسيرها، والعمل على بناء الأدلة، وأخيرا تقويم النتائج. وعلى الرغم من أن بعض الخطوات المعينة قد تختلف بناء على احتياجات المنظمة الفريدة وسياقها، يأتي فيما يلي وصف أكثر تفصيلي للخطوات التي عادة ما تستخدم في تنفيذ عملية التطوير التنظيمي:

1. تشخيص المشكلة: قيّم المنظمة، وهيكلها التنظيمي، وعملياتها، وأدائها، وثقافتها. فعلى الرغم من بعض المنظمات تكون مدركة لقضاياها، فإن الأسلوب الموجه بالبيانات يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الوضوح والفهم. استخدم أدوات مثل مقابلات الموظفين والقيادات، والاستطلاعات، والمقاييس، ثم اجري تقويما للبيانات لتحديد جوانب القوة، والضعف، والمشكلات التي تتيح فرصا للتحسين.

2. التقييم والتغذية الراجعة: افحص المشكلات التي حددتها للوصول لفهم عميق لأسباب حدوثها، وأسباب عدم معالجتها بنجاح، وأي حلول سبق تجريبها في الماضي. تشتمل هذه الخطوة أيضا على جمع البيانات من: الاستطلاعات، ومجموعات التركيز، والمقابلات. كما يمكن الاستعانة بالمستشارين الخارجيين لتقويم التحديات.

3. التخطيط: طور خطة عمل استراتيجية لمعالجة القضايا وتنفيذ اجراءات التدخل التي غالبا ما تتضمن التدريب، وورش العمل، وتمارين بناء الفرق، وتطوير القيادات، والتغييرات في هياكل الفرق. اعمل على اختيار أساليب التدريب الأنسب لتعليم المهارات اللازمة، وإحداث التغيير في السلوك. اعمل على تخصيص الموارد، وتحديد أدوار الموظفين، وتحديد أهداف واضحة قابلة للقياس، تتلاءم مع رؤية المنظمة. استخدم جدولا زمنيا، وحدد كيفية تقديم التغييرات الضرورية للموظفين، مع توضيح كيفية التواصل ومعالجة التغذية الراجعة. تجدر الإشارة إلى أهمية أن تكون القيادات قدوة حسنة وتشعر بالحماس عند في نقل أهداف الرؤية الأشمل.

4. التنفيذ: ابدا بتنفيذ التدخلات المختارة لتحقيق الأهداف المنشودة. شجع المشاركة والتعاون، وقم برعاية عملية التواصل، وقدم الدعم للموظفين بالكوتشينج والتوجيه. استمرار المشاركة والتغذية الراجعة سيسهل من تقدم عملية التغيير أكثر.

5. التقويم: قيّم مخرجات التدخلات من خلال جمع البيانات. لابد من استخدام مؤشرات الأداء الرئيسية في قياس التقدم، كما يجب أن تُجمع ملاحظات التغذية الراجعة من القيادات والموظفين ليتم العمل على تحليلها لقياس أثر التغييرات، وتحديد مدى نجاحها أو حاجتها للتعديل. يجب أن يتم تقويم عملية إدارة التغيير لتحديد مدى كفاءة فاعليتها. فحين لا تتحقق التغييرات المستهدفة، تحتاج المنظمة لتحديد العقبات وإجراء التعديلات اللزمة لإزالتها.

6. التأسيس والتعديلات: حين يشير تقويم النتائج الأولية إلى حدوث التغيير، فينبغي دمج التغييرات والتدخلات في الهيكل التنظيمي للمنظمة. ومن بعدها تؤسس عمليتي مراقبة ودعم مستمرتين لضمان استدامة التغيير. وفي حالة عدم نجاح عملية التغيير أو نجاحها بشكل جزئي، يجب إجراء التعديلات على التدخلات وخطة التطوير التنظيمي. ستقدم عمليتا تقويم ومراقبة الخطة فرصا للتعلم وإجراء تعديلات تمكن كل مكونات التطوير التنظيمي من الاستدامة بنجاح، وتساعد في ضمان موائمتها مع الأهداف المحدثة للمنظمة.

المنظمات العظيمة تتطور باستمرار. وبتشجيع استمرار التعلم والتكيف، ستنشأ فيها ثقافة تدعم عملية التطوير المستمرة. لذلك يجب العمل على انتظام تنفيذ البرامج التدريبية، وجلسات تقويم الأداء والتغذية الراجعة، مع استمرار مراقبة وتقويم التغييرات المنفذة لضمان المحافظة على تنافسية المنظمة ومواجهتها للتحديات الجديدة. 

تحديات التطوير التنظيمي

غالبا ما تواجه المنظمات خلال عملية التطوير التنظيمي عقبات ومشكلات متنوعة. فيما يلي أكثرها شيوعا:

القضايا الثقافية: يمكن أن تقف الصراعات المتجذرة بعمق داخل المنظمة، مثل ضعف الثقة ومقاومة العمل الجماعي، تقدم التطوير التنظيمي ونجاحه.

الخوف ومقاومة التغيير: قد يعمل أعضاء فرق العمل على مقاومة التغييرات على الهياكل، أو العمليات، أو الثقافة الحالية، معتقدين بمناسبة الوضع الراهن. قد يكون ذلك بسبب الخوف من المجهول، أو تساؤلاتهم حول الأمن الوظيفي، أو خشيتهم من الفشل، أو تشكيكهم في التغيير نتيجة فشل المبادرات السابقة.  

ضعف التواصل: قد يقود التواصل الضعيف حول أسباب التغيير، وخطوات العمل، والنتائج المرجوة الموظفين إلى الارتباك والمقاومة. ان تقديم جدول زمني، وتوضيح العمليات والمشكلات المحتملة قد يساعد في تجنب هذه التحديات.

عدم كفاية التدريب: قد يتعطل التطوير التنظيمي عندما لا يقدم للموظفين التدريب المناسب للتعلم والتكيف مع العمليات والتقنيات الجديدة أثناء التنفيذ.

عدم كفاية الموارد: قد يحد عدم كفاية الوقت، أو الميزانية، أو الموارد البشرية المخصصة لعملية التطوير التنظيمي من القدرة على تنفيذ التغييرات، واستدامة التغيير بمرور الوقت.

ضعف دعم القيادات: الالتزام القوي من القيادات أساسي لنجاح التطوير التنظيمي. فقد يعيق عدم حماس القيادات واستثمارهم الكامل في العملية تبني الممارسات الجديدة.

ضعف تحديد الأهداف: قد يؤدي عدم تحديد أهداف واضحة للتطوير التنظيمي، أو ظهور التضارب بينها إلى مبادرات بلا هدف، وبدون طريق واضح لتحقيق النتائج الإيجابية.

يتطلب التغلب هذه التحديات وضع خطة استراتيجية مدروسة، كما يجدر بالمنظمات ومختصي التطوير التنظيمي إعطاء الأولوية للتواصل، ومشاركة أصحاب المصلحة، وضمان التزام القيادات، وتخصيص الموارد الكافية، وإدارة التغيير بفعالية لزيادة فرص نجاح التطوير التنظيمي.

اترك ردّاً

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.