بعد تقاعد بول كريتشلو البالغ من العمر 68 عامًا من حياته المهنية الناجحة التي استمرت 30 عامًا في مجال الاتصالات المؤسسية مع ميريل لينش، لم يكن لديه أي نية للعودة إلى العمل. ومع ذلك، عندما تلاشت بهجة التقاعد، وجد نفسه يتساءل، “ما الذي سيأتي بعد ذلك؟”

وقال كريتشلو: “عندما تتقاعد، من المثير للصدمة كيف ينساك الناس. بدأت أشعر بانعدام اهميتي لأنه لم يكن لدي أي شيء في جدول أعمالي ولم يسألني عني أحد”.

في الواقع، كان هناك شخص يسأل عنه وكان حريصًا على معرفة جدول التزاماته.

“كنت أبحث عن حضورٍ ناضج يستطيع تقديمه بشكل فريد بعض المهنيين ذوي الخبرة العالية “. صرحت سالي سوزمان، نائب الرئيس التنفيذي وكبير موظفي شؤون الشركة في شركة فايزر، وهي شركة أدوية متعددة الجنسيات مقرها مدينة نيويورك. كما قالت: “كنت أرغب في العمل مع شخص قادر على تقديم الحكمة والرعاية بطريقة غير مرتبطة بالطموح الوظيفي”.

لذا تواصلت مع كريتشلو باقتراح مثير للتفكير.

كانت سوزمان قد شاهدت مؤخرًا فيلمًا ب عنوانThe Intern””” يظهر فيه الممثل روبرت دينيرو كمتدرب يبلغ من العمر 70 عامًا، حيث أرادت من كريتشلو مساعدتها في تكرار تلك التجربة في شركة فايزر.

وقال كريتشلو: “كانت الفكرة عن تجربة التعلم بين الأجيال، فقد شعرت سالي أن المتدربين يمكن أن يتعلموا من خبرتي ومن حكمتي. وشعرت أنني أستطيع أن أتعلم كيف ينظر ويتعامل جيل الألفية مع مهنتهم وحياتهم.”

لذلك في صيف 2016م، كان كريتشلو يعمل في شركة فايزر مع فريق من المتدربين الجامعيين، ويحصلون على نفس الأجر بالساعة ويؤدون كثير من نفس المسؤوليات. لكن من الواضح أنه لم يكن متدربًا عاديًا، وسرعان ما كان موظفون القسم يبحثون عنه للتوجيه والمشورة. وشمل ذلك العسكريين القدامى الذين كانوا مهتمين بتجربته خلال حرب فيتنام، والموظفين الذين يقتربون من التقاعد ويفكرون في خيارات التقاعد الخاصة بهم، كما تطلع محترفوا الاتصالات في الأزمات إلى سماع ما كان عليه الحال ككبير المتحدثين باسم ميريل لينش خلال الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر.

وقالت سوزمان “لقد أصبح محور القسم. لقد كان مستشارًا لي وقوة إيجابية في جميع أنحاء القسم. الكل أراد أن يتعلم من خبرته.”

بالنسبة إلى كريتشلو، كانت التجربة محفزة بنفس القدر. ولذلك، بعد ستة أشهر من انتهاء فترة تدريبه، اقترح أن يعمل استشاريًا بدوام جزئي. وحاليا يقضي بضعة أيام من كل شهر، يسافر إلى مقر شركة فايزر الرئيسي، حيث يقوم رسميًا بتوجيه اثنين من ذوي الكفاءة العالية المتخصصين في الاتصالات، كما يقدم التوجيه بشكل غير رسمي لمن يرغب في المساعدة.

إعادة النظر في التقاعد

في سوق العمل الضيق حيث قد يكون من الصعب التنافس على المواهب، يبحث المزيد من أصحاب العمل بعناية عن كيفية الاستفادة من مهارات وخبرات القوى العاملة الأكبر سناً. كما يساعدونهم على فهم فرص العمل المتاحة بشكل أفضل، وكذلك كيف يمكنهم مساعدة أنفسهم من خلال تطوير عملهم وخطط تقاعدهم.

وقالت روث فينكلشتاين، المديرة التنفيذية لمركز بروكديل للشيخوخة الصحية في كلية هانتر في نيويورك: “إن القوانين والتوقعات التقليدية التي تقضي بأنه ينبغي على الأشخاص التقاعد في سن الخامسة والستين تمثل وجهة نظر عفا عليها الزمن. فمتوسط العمر 65 عامًا قد ازداد 20 عامًا. كثير من الناس ليسوا مستعدين ماليًا أو نفسيًا لما يعنيه ذلك.”

في الواقع، وجدت دراسة أجرتها غالوب أنه “سواء بالاختيار أو الضرورة، سيبقى الـ Baby Boomers نسبة كبيرة من القوى العاملة في السنوات المقبلة، مع توقع أن الكثير منهم سيتجاوزون متوسط سن التقاعد في الولايات المتحدة 61 عامًا وحتى سن التقاعد التقليدي 65 عامًا”.

“كنت أرغب في العمل مع شخص قادر على تقديم الحكمة والعناية بطريقة غير مرتبطة بالطموح”.

وقالت فاليري جراب، مديرة في شركة Val Grubb & Associates، وهي شركة رائدة في مجال الموارد البشرية والتدريب في نيو أورليانز، “تعاني الشركات بالفعل من نقص حاد في اليد العاملة، ومن المتوقع أن يظل نمو القوى العاملة في الولايات المتحدة منخفضًا خلال العقود القليلة القادمة، تحتاج الشركات إلى البحث عن المواهب المؤهلة في أي عصر إذا كانت تريد أن تظل قادرة على المنافسة.”

تشير بيانات مكتب إحصاءات العمل إلى أنه من المتوقع أن يكون الموظفون الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا هم الجزء الأسرع نموًا في القوى العاملة حتى عام 2024.

“بالطبع، ليس كل عامل كبير في السن مهتم بالعمل في السبعينيات من عمره، مما يعني أن أصحاب العمل بحاجة إلى التفكير بشكل استراتيجي في القوى العاملة ذوي السن المتقدم لديهم لتحديد من منهم يضيفون قيمة ومن منهم يمكن التخلي عنه.” تقول ليندا دوكسبوري، أستاذ في كلية سبروت للأعمال بجامعة كارلتون في أوتاوا، أونتاريو، كندا.

كما قالت دوكسبوري: “إذا كنت تريد أن يظل الـ Boomers الماهرون والموهوبون لديك، فعليك أن تجعل الأمر يستحق وقتهم، فكثير منهم يرغب في المغادرة بسبب عبء العمل، لكن البعض منهم يحب أن القيام بأدوار التدريب والتوجيه حيث تتمثل كامل وظيفته في نقل المعرفة” ربما بشكل جزئي.

توصي فنكلستين الشركات بمنح المدراء الإذن للتوصل إلى ترتيبات فردية مع موظفيهم الأكبر سناً بدلاً من إجبارهم على برامج تقاعد رسمية على مستوى الشركة.

كما قالت “يتعين على الشركات أن تتأكد من حصول الأشخاص الأكبر  مساهمًةً على أفضل الصفقات، فالعمر الزمني بحد ذاته ليس مقياسًا مفيدًا لقدرات الموظف. المهم هو عمر الفرد الوظيفي.”

الاستثمار في التدريب والتطوير

من أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا عن العمال الأكبر سناً أنهم أقل إنتاجية وابتكارًا، وأنهم غير مرنين لتقبل طرق جديدة لإنجاز وظائفهم. ومع ذلك، لا يوجد دليل يدعم هذه الفرضيات.

وقال جروب: “من الخطأ أن نفترض أن الـ Boomers غير مهتمين بالتنمية الشخصية. إنهم يريدون الاستمرار في التعلم وتوسيع مداركهم واستخدام مهاراتهم في حل مشكلات جديدة. والخبر العظيم هو أنهم يبدءون في مرحلة أعلى من الموظفين الأصغر سنًا، تمكنهم من تقديم مساهمات أكبر بشكل أسرع. وهذا ينبئ بوضع مربح للطرفين”.

لا يفهم بول ميلمان، الرئيس التنفيذي لشركة Chroma Technology Corp. ، وهي شركة تصنيع الألياف البصرية في Bellows Falls ، Vt. ، الشركات التي لا تقدر خبرة كبار السن ونضجهم. وما يقارب 45 في المئة من 140 من موظفي شركته هم فوق سن 50.

كما قال ميلمان أن هذه جزئيا مسألة لوجستية. فنظرًا لأنه قد يكون من الصعب العثور على عدد كاف من العمال ذوي المهارات العالية في ريف فيرمونت ، فإن كروما تستثمر الكثير من الوقت والرعاية والطاقة في تزويد كل موظف بالتدريب والموارد التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح.

“إذا كنت تريد أن يظل الـ Boomers  الماهرون والموهوبون لديك، فعليك أن تجعل الأمر يستحق وقتهم.”

تستخدم الشركة مدربين من الأقران في تهيئة وتوجيه الموظفين إلى أن يظهروا الكفاءة في أدوارهم الجديدة، كما توفر تدريب مستمر للجميع ، بغض النظر عن العمر. كما توفر كروما ترتيبات العمل عن بُعد والعمل المرن حتى يتمكن الموظفون القدامى من قضاء إجازة غير مدفوعة الأجر تصل إلى 11 أسبوعًا دون فقد وظائفهم أو تأمينهم الطبي.

التدريب والتدريب المهني

على الرغم من أن هذا لا يزال نادرًا نسبيًا، فإن بعض الشركات توفر للعمال الأكبر سنًا فرصة المشاركة في برامج التدريب الداخلي والتدريب المهني التي توفر لهم الأدوات التي يحتاجونها لتغيير وظائفهم.

تقدم زمالة Intel’s Encore Career منحة لمدة عام بقيمة 25,000 دولار لمساعدة الموظفين الذين فقدوا وظائفهم قبل أن يكونوا مستعدين للتقاعد وذلك للاستعداد لمهن ما بعد التقاعد. متوسط ​​عمر المشاركين هو 60.

وقال جيم إمرمان، نائب رئيس Encore.org في سان فرانسيسكو: “إنها فرصة للموظفين الذين تم إلغاء وظائفهم للانتقال إلى مهن جديدة، إنها تمنحهم فرصة للقيام بشيء قيم.”

كما تسمح الزمالة  في المنظمات غير الربحية بالعمل مع موظفين يتمتعون بمستوى من المهارة والخبرة التي لا تستطيع هذه المنظمات عادة تحمل نفقتهاز كما يقول إمرمان أنه بمجرد إكمال زمالاتهم، يتلقى بعض المشاركين عروض عمل، بينما يجد آخرون وظائف في منظمات غير ربحية أخرى. على سبيل المثال، انضم أحد المشاركين إلى فريق Nature Conservancy في جزيرة Santa Cruz، قبالة ساحل كاليفورنيا، بعد انتهاء فترة تدريبه في Encore.

في حين تم تصميم برامج التدريب المهني خصيصًا للعاملين الأكبر سناً، إلا أن التدريب المهني غالبًا ما تشمل فئات عمرية متنوعة بدلاً عن تخصيص فئة عمرية معينة.

تعد شركة Huntington Ingalls Industries أكبر شركة عسكرية لبناء السفن في الولايات المتحدة. عندما بدأت الشركة التي مقرها فرجينيا برامج التدريب قبل 60 عامًا، كان متوسط ​​المشاركين 21 عامًا. تم رفع الحد الأقصى للسن وتم إلغاؤه في نهاية المطاف في عام 1996 بعد أن قضت لجنة تكافؤ فرص العمل بأن برامج التدريب المهني يجب أن يخضع لمتطلبات قانون التمييز في السن في التوظيف.

إن شمول العمال الأكبر سنًا في برامج التدريب المهني هو أكثر من تشريع للشركة التي تقدر القوى العاملة ذوي السن المتقدم. حاليًا حوالي 35 في المئة من موظفي Huntington Ingalls Industries  21,000 هم من كبار السن ، بناء على تقارير الشركة.

حالة العمل للقوى العاملة متعددة الأجيال

وقال جروب مؤلف كتاب “صراع الأجيال: إدارة واقع مكان العمل الجديد”: “بدلاً من اعتبار مكان العمل متعدد الأجيال مسؤولية أو تحديًا، سيكون المدراء أفضل في النظر إليه باعتباره فرصة للأشخاص من مختلف الأجيال للتعلم من بعضهم البعض” (وايلي ، 2016).

يتم تأكيد ملاحظة جروب من خلال الأبحاث التي أجراها معهد السياسة العامة لـ AARP والتي تُظهر أن الفرق المختلطة العمر أكثر إنتاجية وابتكارًا من فرق الجيل الواحد.  كما قد يكونون أكثر سعادة أيضًا.

وجدت دراسة شملت أكثر من 32,000 من موظفي ماكدونالدز في المملكة المتحدة أن الأشخاص الذين يعملون مع مجموعة مختلفةمن الأعمار كانوا أكثر رضى في عملهم من أولئك الذين يعملون فقط مع أقرانهم. وفي عينة أصغر تبلغ 1,000 مستهلك، قال الأغلبية إنهم يفضلون رؤية مزيج من الأعمار بين الموظفين.

وجد الاستطلاع أن الموظفين الأصغر سناً يستفيدون من العمل مع زملاء عمل أكبر سنًا، بينما يستمتع الموظفون الأكبر سناً بمشاركة معرفتهم. قال كلير هول، كبير الموظفين السابق بشركة ماكدونالدز في المملكة المتحدة، إن الموظفين الأكبر سناً يستمتعون بتعلم التكنولوجيا من زملاءهم الأصغر سنًا.

لم تستوعب جميع القطاعات قيمة القوى العاملة المتعددة الأجيال، رغم ذلك. قد يكون التحيز العمري أكثر وضوحًا في قطاع التكنولوجيا، حيث يُمنح الموظفون الأصغر سنًا الذين يكونون أكثر دراية بأحدث التقنيات أفضل الفرص، وفقًا لما توصلت إليه الأبحاث.

بصفتهاالرئيس العالمي للتنوع والانتماء في شركة أتلاسيان، وهي شركة برمجيات في سان فرانسيسكو، تسعى أوبري بلانشي، البالغة من العمر 30 عامًا إلى مخالفة النموذج التقليدي من خلال الدعوة إلى أماكن عمل متنوعة العمر. حيث قالت إن وجود فرصة للعمل في بيئة مختلطة العمر يتيح لها رؤية الأشياء من منظور مختلف ويجعلها مساهماً أقوى.

وأوضح جروب: “التوجيه متعدد الوظائف يساعد جميع الموظفين. إلى جانب نقل المعرفة، فإنه يعزز احترام الاختلافات، ويعلم العمل الجماعي ويحصل الصغار والكبار على التقنيات الجديدة والتقنيات التي تنتج حلولاً أسرع للمشكلات.”

اعتماد منظور كلي

في FCCI ، وهي شركة تجارية للتأمين على الممتلكات والحوادث في ساراسوتا بولاية فلوريدا، يزيد عمر أكثر من ثلث القوى العاملة عن 50 عامًا، وكثير من هؤلاء الموظفين متعينون حديثًا.

وقالت ليزا كروس، المدير التنفيذي للموارد البشرية في الشركة: “نحن نقدر منظورهم المتمرس وخبراتهم المتخصصة”.

هدف FCCI هو خلق قوة عاملة مندمجة وشمولية يشعر كل موظف فيها بالقيمة والتقدير، بغض النظر عن العمر.

وقال كروس “نحن نعيد صياغة القاعدة من حيث صلتها بالديموغرافية العمرية. فعبر إزالة عدسة السن كطريقة لرؤية الموظفين الحاليين أو المحتملين، تمكنا من تحويل التركيز إلى قدراتهم ومهاراتهم ومعرفتهم وتوسيع نطاق توظيف المواهب لدينا.”

يجتمع المديرون في FCCI مع بعضهم البعض ومع كل موظف لمعرفة ما يريده الموظفون، وتحديد الثغرات، ثم التركيز على التدريب واكتساب المواهب لمعالجة هذه الفجوات – ويبدو أن هذه الاستراتيجية مجدية لديهم.

تم إدراج FCCI في قائمة أفضل أماكن العمل لدى AARP للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا وفي قائمة أفضل أماكن العمل للـ Millennials في Forbes، وقد تم تصنيفها كأحد أفضل أماكن العمل في التأمين من قبل مجلة Business Insurance.

وقال كروس إن الأجيال المختلفة لها قواسم مشتركة أكثر مما تدرك. الجميع يبحث عن عمل ذي معنى، وترتيبات عمل مرنة، وفرص للتعلم والنمو، وتوازن أكبر بين العمل والحياة.

وقال كروس “نحاول أن نفعل الشيء الصحيح بالطريقة الصحيحة”.

فريق العمل:
ترجمة: سارة العمران.
مراجعة: وفاء الباز.

المصدر: https://www.shrm.org/resourcesandtools/hr-topics/talent-acquisition/pages/attracting-and-retaining-older-employees.aspx